السبت، أكتوبر 10، 2009





توديع امرأة




قالت :


تذكر ؟


قلت لها :


أذكر ذاك الحلم القابع


في قلبينا


في ليلة صيف


عدت أراجع أوراقي


كانت عيناك تحملق فيَّ


كنتُ القاتلَ والمقتولَ


كنتِ القاضى و السيَّاف


والآن أعود ..


لم أحمل بين يديَّ قصيدة شعر


مسبحتي صارت مشنقة


مئذنتي كالخنجر دامى الحدَّين


كنتِ القاضي و السيَّاف


شيلوخ ٌ يرفع سكينه


ويهدِّد أن فناء العالم بين يديه


إن لم يأخذ ْ قطعة لحم


وأنا سأطوف العالم


أروى بعض حكايا الزمن الغابر


فأنا القاتلُ والمقتول


الآن أحدِّد عينيك


لكنى مثل فراشات


تَهْوَى الضوء ،


وتعلم أنْ ستموت


عيناك الحلم


اللهب القابع في قاع الجبّ


ما زلتُ أحدِّد عينيك


لكنى


صرختْ


قالت :


تذْكــر ؟!!


ثم الصمتُ يسود الحدَّ الفاصل


بين الصرخة و التصريح


قلتُ لها :


ما زلت ألملم أشلائي


من طرقات الأمس


هل أحمل حقا مسبحة ..؟!


النمل تسرب في الأجفان


والشوك ترعرع في الأجفان


والدمع يسيل


فيروى الشوك


ويسقي النمل


وأنا


ما زالت بعض الأشلاء مبعثرة


في الجبِّ ..


وفي قاع النهر


وفوق الجبل القابع في وادي اليأس


ما زال المقهى محترقـًا


" عيون المها بين الرصافة والجسر


قتلن الهوى من حيث أدري ولا تدري "


قالت :


تذكــر ؟!!


صرختْ ..


وبكتْ ..


أخذتْ تستجدي المقهى ..


الجبَّ .. الجبلَ القابعَ


في وادي اليأس


وعيونـًا أخرى


كسهام ٍ راصدةٍ منتصبة


صرختْ .. تذكــر ..؟؟


مزَّقـتْ الجلباب


لطمتْ خدَّيـها بغصون الزيتون


قطعتْ نهديها ...


النمل تسرب في النهدين


سقطتْ في النهر


كغزال غافله الصياد


فأرداه قتيلاً


ونظرتُ إلى الجثة


ملقاة ً في النهر


عارية ً إلا من بعض دماء


كان الدم أشجارًا وحدائق


أعنابـًا و نخيلاً ومشانق


- من أنت ..؟


ما اسمك ؟


من سيِّد واديك الأعظم ؟


- أنا عبد ٌ طال به السفر ..


أنا عبد ٌ عاد من السفر ..


جئتُ لأجلس بين يديكِ ،


أعلن أنى جئتُ إليكِ ..


يا سيدتي ...


- ما اسمك ؟!


ما عنوانـُـك ؟!!


- فلتستمتعْ أذناك بهذا المشهد :


" بطل روايتنا رجل يبحث عن عنوان مفقود


عن أرض فقدتْ حتى الاسم


لكنَّ علاماتِ مدائنها


توحي بالهدف المنشود


البطلُ يجول خلال البلدان


سأل التجَّـار


عاشر حفـَّاظ التاريخ


واليوم يجيء


يتردَّد بين الوهم وبين الحلم


ويواجهه اليوم مصيرُ الغرباء


من طافوا حول قصور سماسرة البلدان


أو سألوا خدَّام القصر "


- أذكر ذاك المشهد


حين وضعتَ كتابَـك فوق المقعد


وفتحتَ الصفحة والصفحة


كان كتابـًا عن عمر بن الخطاب


وأبي ذرٍّ و أويس ٍ والحسن البصري


- أذكر ذاك الليل القابع في عينيكِ


يحاول أن يأخذنا خلف غيومه


كي نبحث بين دروب المجهول


عن الأحلام الورديَّـة


- أذكر أن أبانـا


كان يعلِّـمنا الحكمة َ عند النهر


وكان يقول بأنَّ النهر


سيَنـْـبُع يومًا من عينيكِ


لكنْ ..!!


حين ارتعشتْ شفتاكِ


لكي تمنحني البسمة


حين ارتعشتْ أهدابك


معلنةً ً أن السفر سيبدأ بعد قليل


نحو المدن المهجورة


حين وقعتُ على قدميك


لكي أُمْنـَـح لحظة حلم واحدة

حين انغلقتْ عيناكِ ،


وعانقت الصمتَ الأبديَّ ..


وحين رحلتِ ...


كنتُ أحاول أن أنسى في الظلمات


تواريخ حياتى وحياتك


أتسمَّع رغم محاولتي أخبارك


من أفواه الخلصاء ِ :


" كانتْ طيبة ً ..


كانت حالمة ..


كانت تعلم أن البسمة


في وجه ضعيفٍ


أملٌ لحياة أفضل "


*


سقطتْ في النهر


كغزال ٍ غافله الصيَّاد ُ


فأرداه قتيلا

كانت جثثـًا عارية

إلا من بعض دماء


كان الدم أشجارًا وحدائق


أعنابـًا ونخيلاً ومشانق .


* * *



ديوان : ليالي الحلاج





الجمعة، أكتوبر 09، 2009

أين تمضي ؟!!






إلى روح والدي الذي مات وفي يده فسيلة يريد أن يغرسها







وجهُنا للمسجَّى على الأرضِ


يَلْفِظُ أنفاسَه ،


ويخبّئ في كمّنا سرَّه ،


وردةً ،


والظلامُ يُدَاهِمُهُ ،


قَطَفَتْها يداه


يُعَلِّمُنَا كيف تكتب أفواهُنا صوتَها ،


كيف تكتم أضلاعُنا بَوْحَهَا .


كان يمضي بصحبة ذاك الغمام


الذي ينتمي للمدى ،


والموانئُ تَشْخَصُ أعينُها ،


وتلملم أشلاءَه ،


تستعيد تقاسيمَ رحلتِه ،


وَجْهَه ،


عِلَّةً كان يَحْمِلُها بين أضلاعِه ،


ويعودُ إليها إذا لَيْلُهُ جَنَّ ،


واستتر القومُ في غفوةٍ ،


جمراتٍ


تُقَلِّبُهُمْ يَمْنَةً .. يَسْرَةً .


أين تَمْضي ..


وأعضاؤُنا تَحْتَرِقْ ؟!!


* * *


وجهُنا للمُسَجَّى على صفحةِ النهر


يَكْتُبُ تاريخَه


ويُمَزِّقُ تاريخَنا


لِمَنْ سَنَبُوحُ إذا الليلُ جَنَّ ؟!


ومَنْ سيعيد بدائيّةَ الحلمِ ،


حادي القبيلةِ ،


صوتَ الصهيلِ ،


ويُغْلِقُ بَوَّابةً للعَدَمْ ؟!!


ويكتب تاريخَ تلك الأممْ ؟!!


أم القلبُ يَبْقَى تُمَزِّقُه الذكرياتُ ،


وجدرانُه تنهدمْ ؟!!


* * *


وجهنا للمسجّى على صفحة القلب


يحفر صورته في الضمير


ويفتح للسائرين طريق القمم .


عليلٌ يراودك البوحُ في الظلمة الحالكة ،


وبين القلوب تَفَشَّى الصمم .


* * *


رَبَضْتَ على ربوة الليل


ممتطيًا قطرةً من ذهول الزمان


تَشَبَّثُ بالفكرةِ النابغيّةِ


داكنةً كالغمامة ،


مَوَّارةً ،


مدجّجةً بالأمانيّ


يا أيّها القوم كونوا على أُهْبَةِ الحلمِ


إذ تشرق الشمسُ بالجمرات ِ


وهُزّي إليك بطرفِ الصحيفةِ


تسّاقطُ المهجُ الواجفة .


* * *


ربضتَ على ربوةِ الفجرِ


مُمْتَطِيًا صَهْوَةَ السيفِ


كنتَ تقيسُ المسافةَ بين بيوتِ البغايا


ولحمٍ قديد ،


تَقِيسُ المسافةَ بين رياضِ الخليفةِ


والصحراءِ العِجَاف


وأنتَ رضيتَ بكسرة خبزٍ ،


وماءٍ … وكوب حليب .


أين تمضي ..


وأوراقُنا تَحْتَرِقْ ؟!!

*

ديوان: الفارس يترجَّل

الفارس يترجل

أهواك ؟! عهد الهوى ولَّى فلا تصـفي

خبيئة الـروح روحـي أو فيافيـــها

تسرَّب العمر عمري هل بـدا رمــق

لصولة النفس تروي عـن أماسيــها

تحـدِّث القمـر الوضَّـاء عن قمــر

ضيــاؤه يتجلَّـى فـي روابيـــها

تسرَّب العمرُ كَـمْ ناشـدتُ خطوتــه

أن تبطـئ السيـر ، لم تسمع لداعيـها

ناديتـها وطيـوف الـروض مثخنـة ٌ

هذي ربى العشق قد أقوت مغانيــها

هذي الرياض التي بالأمس ضاحكـها

وأدمـن العشـق قاصيـها ودانيــها

لكـنْ توشَّــحت الصمصـام ثائـرة

أذكت لهيب الردى ، والقهـرُ راعيـها

أهواكِ؟! قد جئـتِ في عهـد مخادعة

طيوفه ، فاسألـي الأعمـاق ما فيـها

لا تسألي النفـس عن أيَّـام غربتــنا

وخطرة الطيـف ليـلاً في نواحيــها

معانقـاً قوسـه فـي عـزِّ مملكــة

فتسقـط الـروح سكرى في أمانيــها

فينثنــي تاركـاً سهـماً بأضلعــها

وأدمعــاً تتلظـَّى فـي مآقيـــها

تمضـي تطالـع بحـَّـاراً سفائنــه

حيرى يعانـق في عشـق صواريـها

لكـم تسابــق والظلمـاء حالكــة

إلى السفين ليشـدو اللحـن حاديــها

وكـم تعانـــق جـوَّال وأغنيــة

في ظلمة الدرب تحـدوه ضواريــها

لا طلعة النجـم تهـدي الروح راجية

ولا الحنيـن إلى الأوطـان هاديــها

ولا مويجات بحـر ضـجَّ ساحلــه

مـن الأنيـن تواري نـار صاليــها

لكَـمْ يحـنُّ إلـى السمَّـار يعصفـه

حلــم الغريـب وآمـال يواريــها

أهواكِ؟! نبـض الهوى مازال في دمنا

يُذكي الحنيـنَ إلى الأحـلام ساريـها

من يوقف الشيبَ يطوي الروح حائرة

بيــن التمنـي وآلام تعانيــــها

يا نسمة في الخليـج القلـبُ عانقـها

دماء يعرب تسـري فـي مجاليــها

أهـواكِ أهـواكِ كم حلـم ٍ يـراودنا

وصـولة الحلـم لا وصـف يدانيـها

شرَّقـتُ غرَّبـتُ حـاذرتُ لا أمـلٌ

صـرتِ الحياة وصرتِ روح رائيـها

أهواك ؟! ألف أجل لا النفس يردعـها

ضعف الغريب ، ولا أسواط شانيــها

ولا الطبــول التـي للقهـر معلنــة

تعلو وتعلو ، فمن يقوى يعاديــها ؟!

روح ٌ تحـنُّ وآمــال تـــراودها

واسَّاقطـت أدمــع للــه باريـها

حملتُ عبء الهوى واللحـن قائـدنا

لمـن تبـدَّت فلا شـيء يساميــها

تختـال معلنــة للنـور طلعتــها

فلا الضيـاء تمـادى أن يباهيــها

فقلتُ لحـن مـن العشَّـاق أحملـه

إليـك وحـدك أنت شمس رائيــها

بالأمس كنتُ خليَّ القلب راضيــة

جوانـحي بلحـون مـن أماسيــها

أزور قبـري وأرجـو الله يرحمنـي

يهزُّ روحي مع الظلمـاء ماضيــها

واليـوم جئـت أعيـد الكـرَّ ثانيـة

تقودنـي الشمس في أبهى معانيــها

فأمسكتْ شعـرة فـي الرأس بـارزة

بيضاء تطفو على سطح الهوى تيـها

تختال كالبدر يمحو ظلمة نشرت

أستارها وتحامت في صياصيها

فاساقطت تحت وقع الخطو معلنة

أن البقاء خيال من أمانيها

فقلت بدر تضيء الكون طلعته

كيما نرى فتهادت في تعاليها

هل ترحم الشيب أم تغتال حاملـــه

قامت تحثُّ إلى الكاسات ساقيـــها

كانت تهشُّ لوقع السـوط في يــدها

على الفـؤاد إذا غنَّـت سواقيــها

كانت تهشُّ للـون الـدم في يـدها

من الفؤاد إذا طاشـتْ مواضيــها

فقلـت ردِّي فـؤادي لا أعـود لها

هـذا الفـؤاد بقايا العمر أرجـوها

قالت لحـوني تجلَّت في ملامحـه

أباح سـرِّي أمـا يكفيك تمويـها

خلَّـدت ذكـرك بالأشعار نابضـة

لكـنَّ قلبـك يأبـى فـيَّ تشبيـها

هـذا أسيري ولـن تلقـاه ثانيـة

إلا أسيرًا فـلا الأسـرار يفشيـها

فعـدت أحمل شلو العمـر نازحـة

روحي إلى حـرم الأنـوار نائيـها

أبيت مـن حـرم نـاءٍ إلـى حـرم

أنأى لعـلَّ خيـالاً يُرْتَـجى فيـها

وغرَّبتـْني طيـوفُ العشـق ثانيـة

فالعشق أوَّلـها والعشـق ثانيــها

ديوان : الفارس يترجل ، مكتبة الآداب ، القاهرة