توديع امرأة
قالت :
قلت لها :
أذكر ذاك الحلم القابع
في قلبينا
في ليلة صيف
عدت أراجع أوراقي
كانت عيناك تحملق فيَّ
كنتُ القاتلَ والمقتولَ
كنتِ القاضى و السيَّاف
والآن أعود ..
لم أحمل بين يديَّ قصيدة شعر
مسبحتي صارت مشنقة
مئذنتي كالخنجر دامى الحدَّين
كنتِ القاضي و السيَّاف
شيلوخ ٌ يرفع سكينه
ويهدِّد أن فناء العالم بين يديه
إن لم يأخذ ْ قطعة لحم
وأنا سأطوف العالم
أروى بعض حكايا الزمن الغابر
فأنا القاتلُ والمقتول
الآن أحدِّد عينيك
لكنى مثل فراشات
تَهْوَى الضوء ،
وتعلم أنْ ستموت
عيناك الحلم …
اللهب القابع في قاع الجبّ
ما زلتُ أحدِّد عينيك
لكنى …
صرختْ …
قالت :
تذْكــر …؟!!
ثم الصمتُ يسود الحدَّ الفاصل
بين الصرخة و التصريح
قلتُ لها :
ما زلت ألملم أشلائي
من طرقات الأمس
هل أحمل حقا مسبحة ..؟!
النمل تسرب في الأجفان
والشوك ترعرع في الأجفان
والدمع يسيل
فيروى الشوك
ويسقي النمل
وأنا …
ما زالت بعض الأشلاء مبعثرة
في الجبِّ ..
وفي قاع النهر
وفوق الجبل القابع في وادي اليأس
ما زال المقهى محترقـًا
" عيون المها بين الرصافة والجسر
قتلن الهوى من حيث أدري ولا تدري "
قالت :
تذكــر …؟!!
صرختْ ..
وبكتْ ..
أخذتْ تستجدي المقهى ..
الجبَّ .. الجبلَ القابعَ
في وادي اليأس
وعيونـًا أخرى
كسهام ٍ راصدةٍ منتصبة
صرختْ .. تذكــر ..؟؟
مزَّقـتْ الجلباب
لطمتْ خدَّيـها بغصون الزيتون
قطعتْ نهديها ...
النمل تسرب في النهدين
سقطتْ في النهر
كغزال غافله الصياد
فأرداه قتيلاً
ونظرتُ إلى الجثة
ملقاة ً في النهر
عارية ً إلا من بعض دماء
كان الدم أشجارًا وحدائق
أعنابـًا و نخيلاً ومشانق
- من أنت ..؟
ما اسمك ؟
من سيِّد واديك الأعظم ؟
- أنا عبد ٌ طال به السفر ..
أنا عبد ٌ عاد من السفر ..
جئتُ لأجلس بين يديكِ ،
أعلن أنى جئتُ إليكِ ..
يا سيدتي ...
- ما اسمك ؟!
ما عنوانـُـك ؟!!
- فلتستمتعْ أذناك بهذا المشهد :
" بطل روايتنا رجل يبحث عن عنوان مفقود
عن أرض فقدتْ حتى الاسم
لكنَّ علاماتِ مدائنها
توحي بالهدف المنشود
البطلُ يجول خلال البلدان
سأل التجَّـار
عاشر حفـَّاظ التاريخ
واليوم يجيء
يتردَّد بين الوهم وبين الحلم
ويواجهه اليوم مصيرُ الغرباء
من طافوا حول قصور سماسرة البلدان
أو سألوا خدَّام القصر "
- أذكر ذاك المشهد
حين وضعتَ كتابَـك فوق المقعد
وفتحتَ الصفحة والصفحة
كان كتابـًا عن عمر بن الخطاب
وأبي ذرٍّ و أويس ٍ والحسن البصري
- أذكر ذاك الليل القابع في عينيكِ
يحاول أن يأخذنا خلف غيومه
كي نبحث بين دروب المجهول
عن الأحلام الورديَّـة
- أذكر أن أبانـا
كان يعلِّـمنا الحكمة َ عند النهر
وكان يقول بأنَّ النهر
سيَنـْـبُع يومًا من عينيكِ
لكنْ ..!!
حين ارتعشتْ شفتاكِ
لكي تمنحني البسمة
حين ارتعشتْ أهدابك
معلنةً ً أن السفر سيبدأ بعد قليل
نحو المدن المهجورة
حين وقعتُ على قدميك
لكي أُمْنـَـح لحظة حلم واحدة
حين انغلقتْ عيناكِ ،
وعانقت الصمتَ الأبديَّ ..
وحين رحلتِ ...
كنتُ أحاول أن أنسى في الظلمات
تواريخ حياتى وحياتك
أتسمَّع – رغم محاولتي – أخبارك
من أفواه الخلصاء ِ :
" كانتْ طيبة ً ..
كانت حالمة ..
كانت تعلم أن البسمة
في وجه ضعيفٍ
أملٌ لحياة أفضل "
*
سقطتْ في النهر
كغزال ٍ غافله الصيَّاد ُ
فأرداه قتيلا
كانت جثثـًا عارية
إلا من بعض دماء
كان الدم أشجارًا وحدائق
أعنابـًا ونخيلاً ومشانق .
* * *
ديوان : ليالي الحلاج