الأربعاء، أكتوبر 14، 2009

رحيـل الفارس النبيـل

ألقيت هذه القصيدة وقصائد غيرها في الأمسية التي أقامها مركز زايد للتراث والتاريخ بمدينة العين الإماراتية في الذكرى السنوية الأولى لرحيل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان

جُودي بدمعِـك يا ربـوعُ ورجِّــعي

وتلفَّـتي بيــن الجهـات الأربـــع

فبكـل ناحيــة لحزنــك مَعْلَـــمٌ

وبكـل وادٍ مأتــــمٌ لمُــــرَوَّع

رحــل الذي أعطـاك ثوبـاً ناضـراً

وفضائــلاً لا يدَّعيــها مدَّعـــي

وحبـاك ثوبَ المجـدِ أبيـضَ ناصعـاً

فوقفـتِ شامخــةً كطــــودٍ أروعِ

يا أيها الشــيخُ المُـوَدِّعُ راحـــلاً

ارْفُـقْ بقلــبٍ للجــلادِ مـــودِّعِ

فزعـتْ إليـك وأنت نعـم مغيثـُــها

أرضٌ يبـابٌ طلعُـها لـم يَنْجَــــع

حملـتْ إليـك همومَـها وكلومَـــها

ودموعَــها وشكايــةَ المتفـــزِّعِ

وأتتـك طيِّعــةً تَمُـــدُّ بكفـِّــها

فممـدتَ كفَّـك في سنـىً وترفُّـــعِ

وحملتَ عبءَ الأرضِ عبءَ الناسِ عبءَ

عروبــةٍ تشكـو كبيــرَ تَصَــدُّعِ

ومضيـتَ في عـزمِ الأبيِّ تـَرُومُ مـا

عنه الكبــارُ تراجـعوا لـم تَرْجِــعِ

وبقبضـةِ البــدويِّ كنـتَ تَـدُكُّ مـا

يأبى من الأمــرِ من العصيِّ المُفْـزِعِ

وضرعــتَ للــهِ العظيــمِ مـردِّداً

" يا ربُّ هـذي الأرضُ أرضُ الرُّكَّــعِ

ماذا عليـكَ إذا رحمـْـتَ وأنـتَ مَـنْ

يرجــوه كلُّ الضارعيـن الخشــَّـعِ

ماذا عليــكَ إذا كرمـتَ وأنـتَ مَـنْ

أبوابـُــه تـــزدانُ للمتطلِّـــعِ "

ورآك قومُــك ضارعـاً فتضـرَّعوا

وعزيمـةُ الأقــوامِ لـم تتزعــزعِ

نعـم الوفـاءُ من الرجـالِ خصائـلاً

إن عــزَّ أمـرٌ كالجبــالِ اللُّمَّــعِ

فتفجَّــرَ الينبـوعُ تحتــكَ سائــلاً

فسجــدتَ للـهِ العظيــمِ المُبْــدِعِ

وغـدوتَ تبنــي للرجــالِ مكارمـاً

شتَّـى فلا عهــدُ الوفــا بِمُضَيَّــعِ

شيَّدْتَ بيــتاً للمفاخــرِ والعـــلا

وحميتـَـه من كـلِّ صاحــبِ مَطْمَعِ

ضمَّتـكَ أرضٌ أنـت باني مجــدها

وبكـتْ معاهـد بالدمـوع الهُـمَّــع

ضمَّــتك أرضٌ كنتَ تمضي فوقـها

كالصقرِ حلَّـقَ في الفضاءِ الأوســعِ

ما الأهـلُ ما الأحبابُ بعد رحيلِــه

كان الجميـعَ وكان ركـن المَجْمَــعِ

لمَّـا نُعِيـتَ إلى القلــوبِ تزلزلـتْ

أركانـُـها تشكـو وشيكَ المَصْــرَعِ

ضرعــتْ بأدمعــها إليـك يتيمـةٌ

كيـف الرحيـلُ وأنتَ غيثُ البَلْقَــعِ؟

أنـت الضيـاءُ إذا الليالي أسدلـــتْ

أستارَهـا وبـدا أنيـنُ المُـوجَـــعِ

أنـتَ المُعيـنُ لعاجــزٍ في حلكــةٍ

ولغيـرِ ربِّـكَ ســرَّه لـمْ يَرْفَــعِ

فإذا الظـلام تدافعـت أشباحــــه

وأحـسَّ في الظلماء وشـك المصرع

يبكــي فتنتحــب الخلائـق كلـها

ويخـور كـلُّ معظَّــــمٍ ومُمَنَّـع

فتجـيء ناسجــة خطـاك بأرضـه

أنـوار تـاج ٍ بالعـــلاء مرصَّـع

وإذا البحــــار تلاطمـت أمواجها

ليــلاً كأمثـال السيــوف الشـرَّع

لم يبـق للغـرقى ســوى حبل الرجا

يتعلَّقــون بظلـِّـه مـن مطمــع

كانت جحافـل برِّك العظمـى تجـو

ل الأرض بحـثًا في مسـوح الخشَّـع

كـم ليلـةٍ قـد جِئْـتَ تَحْمِـلُ باسمًا

حلــمَ الغريـبِ وأَمْـنَ كـلِّ مُـرَوَّعِ

لا حُكْــمَ إلا للتقـى فـي أنفـــسٍ

أَعْطَــتْ فلـمْ تَمْنُـنْ ولـمْ تتصنَّـعِ

قالـتْ وأدمُعُهـا تفيـضُ مـن الأسـى

"يا ربّ نعـم رفيـقُ كـلِّ مضيَّـــع"

سمعـتْ ضراعتـَها وفيـضَ دموعِـها

روحٌ تحــومُ على الجهـاتِ الأربـَعِ

فبكــتْ فراقَ يتيمــةٍ وتضــرُّعٍ

لو تستطيــعُ إقامــةً لـم تُزْمِــعِ

مات ابنُ سلطـان ٍ فهـل بَقِـيَ امْـرُؤٌ

في ذا الوجـودِ بموتـِـهِ لـمْ يُفْجَــعِ

مات التقـيُّ ابنُ التقــيِّ ومـنْ بــه

تسمــو أكـفُّ مشرَّديـن وجُــوَّعِ

بجحافــلِ المِنَـنِ الكرامِ تَدَافَعَــتْ

فرسانُـه ترجـو رفيــعَ المَوضــعِ

مات العظيـمُ ابنُ العظيـمِ ومَـنْ بـه

قامــتْ لِيَعْرُب وَحْــدةٌ في مَجْمَــعِ

وبــدا خليفــــةُ يقتفـي آثــارَهُ

يا طيـبَ غُصْـنٍ في المَحَـلِّ الأَرْفَـعِ

هذي خميلــةُ زايــدٍ رمــزِ السَّنَـا

تَحْمِــي المكارمَ والعــلا لا تدَّعِــي

ديوان : الفارس يترجَّل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق